الخلاف حول تفسير التاريخ ليس ظاهرة ترف، ولا هو مجرد خلاف حول تفسير الماضي، بل هو في الدرجة الأولى خلاف حول الطريق إلى المستقبل. ومنذ الغزو الفرنسي لمصر ظهرت مدرستان: المدرسة الاستعمارية التي تمثلها كتابات د/ لويس عوض التي تنادي بالتغريب وتعتبر أن المتعاونين مع الاستعمار هم رواد التقدم، ومن نماذجها المعلم يعقوب والذين داروا مع جنود الاحتلال، والمدرسة الوطنية لتفسير التاريخ التي ترى الوطن والتقدم والحداثة من منظور واحد هو مقاومة التبعية لأوروبا، مقاومة الاحتلال الغربي للشرق الإسلامي، وتمثلها كتابات الأستاذ محمد جلال كشك الذي أصدر كتابه هذا في أعقاب هزيمة 67 عندما نشطت المدرسة الاستعمارية للترويج للدور التحضيري والتحريري الذى لعبه غزو البلدان المتقدمة للشرق المتخلف. وكانوا في الحقيقة يدعون الأمة العربية وقتها لقبول التحضير الإسرائيلي! وكان صدور هذا الكتاب - وقتها - محاولة لكشف هذا التزييف، وإعادة ثقة الأمة بمستقبلها، من خلال وعيها بماضيها.
أثار مؤيدو الاحتلال الفرنسي وأحفادهم من أمثال (لويس عوض) جدلًا واسعًا، زعموا فيه أن (فرنسا) أقبلت على المصريين بثورتها لتحررهم من استعباد العثمانيين، وهمجية المماليك، وأنها ما حاربت إلا لتحرر الشعوب؛ ليصلوا إلى ما وصلت إليه (فرنسا) بثورتها. والحقيقة أن هذا تضليل كبير؛ فإن استعمار (مصر) كان من مخططات (فرنسا الملكية)، ولما جاءت الثورة شرعت في تنفيذ تلك المخططات، كما هو الحال مع (روسيا) التي نفضت الغبار عن مخططات القياصرة بعد أن ثارت عليهم، وأقامت الحروب في سبيل تحقيق تلك الأهداف.
كما أن النفوذ العثماني كان معدومًا في (مصر)، وكان المماليك يمسكون بزمام الأمور، وكان السلطان له مندوب في مصر يسمى (باشا)، وكان أشبه بالدُّمْيَة، وإذا عكَّر مزاج المماليك بأي أمر، اجتمعوا وخلعوه، وبعثوا له رسولًا يقوم بثني مقدمة سجادته، ويقول له: "انزل يا باشا "، فيكون ذلك بمثابة قرار عزله، ويبعث السلطان غيره؛ فيقومون معه بنفس الأمر وهكذا. هل يمكن لنا أن نتخيل ذلك مع قائد الحملة الفرنسية؟ أو ما الذي يمكن أن تصبح عليه الأمور لو كان هذا الرسول مبعوثًا إلى المندوب السامي البريطاني، وخاطبه قائلاً: "انزل يا لورد "!
إن سلّم مؤيدو الاستعمار وأحفادهم بأنه استعمار، فإنهم لم يتورعوا عن مقارنته بالاستعمار التركي، وأن استعمارًا يجلب التقدم خير من استعمار يحكم علينا بالتخلف. إن هذا ادعاء كاذب؛ لأن العلاقة بين (مصر) و(الدولة العثمانية) لم تكن استعمارًا بالشكل الذي حكمت به القوى الإمبريالية في العالم منذ القرن التاسع عشر؛ فلم يكن العثمانيون يستعبدون الفلاحين والعمال، ولم يفرضوا ضرائب باهظة كما يحدث في المستعمرات، ولا يشترون المواد الخام بأسعار زهيدة، ويصنعونها في بلادهم ويبيعونها في أسواق المستعمرات بأسعار باهظة، ولم يجبروا الفلاحين على إنشاء مشروع بالسخرة كحفر قناة السويس مثلًا.
والاستعمار لم يجلب لنا التقدم والرخاء، ولم يعْطِنا مفاتيح العلم، ولم يحررنا من العثمانيين ليعطينا زمام السلطة والحكم؛ فالمحتلون الفرنسيون لم يقبلوا بأن يعمل المصريون في مصانع الذخيرة والسلاح التي أنشأوها مخافة أن يتعلم المصريون هذه الصناعات، وكذلك الحال مع أغلب المصانع التي أنشأوها، فأي نهضة ورخاء وعلم وتقدم يدّعيه هؤلاء؟ ثم إن المحتلين الفرنسيين خاطبوا القرى والمدن المصرية بأن يعطوا ولاءهم لفرنسها وجنرالاتها الذين يحكمونهم، وأي قرية تخرج عن حكمهم فسيكون مصيرها الحرق، فأي تحرير يدعيه هؤلاء الكذابون؟
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان